منوعات
الدكتور اسماعيل محمد النجار
حياة فاخر هرهرة من سكان مضارب الزماخشرة بمأرب، ولدت وترعرعت في أسرة مشيخية والدها شيخ عشيرة متعصب لقيمها، يلتحق أبناؤه بالدراسة ليتعلموا القراءة والكتابة، وأقصى ما يمكن الثانوية العامة، وتدرس البنات لسادس ابتدائي فقط، لتصبح البنت جاهزة للزواج، ابنته حياة قبل الأخيرة في ترتيب أولاده، أحب الأولاد والبنات إليه وملكت قلبه وعقله بذكائها وحذقها وسحر تعاملها، لتلبيتها رغباته من الطعام والشراب، وتجهيز الدار لاستقبال الضيوف، وفصاحتها في الحديث، وقدرتها على التعامل مع العشيرة وكأنها ولد في قمة الرجولة، كثير من الأوقات ترتدي ملابس الأولاد الشعبية من جلابية وحزام عليه أماكن لمخازن الرصاص ودجلة وقبع نسائي على رأسها, وتجيد رقصة الحرب للبدو، وكثيراً ما تمنى والدها أن تكون ولد لتخلفه في مشيخة العشيرة، ومن كثرة حبه لحياة خالف ثوابت العشيرة والأسرة تجاه المرأة لتتعلم سواقة السيارات بمهارةٍ خاصةً في الطرق الوعرة، وحمل السلاح وإجادة استخدامه، ولا تتوانى في إطلاق الرصاص في أي مشكلة مع عشيرتها أو أثناء قيادة السيارة والتحرش بها، وعلى الرغم من أن أخواتها وبنات العشيرة لا يتجاوزن التعليم للابتدائية؛ إلا أن والدها شجعها على الدراسة حتى أكملت الثانوية العامة والجامعية في كلية الآداب قسم أدب عربي بجامعة صنعاء، ويستشيرها والدها في كل شؤون الأسرة والعشيرة، ويسند إليها تنفيذ بعض المهام الصعبة، تنظم وتقول الشعر البدوي في مجالس العشيرة، وتمكنت من خلال دراسة الأدب العربي من تنمية وتطوير مواهبها الشعرية والأدبية لتصبح شاعرة العشيرة المفوهة؛ ليجعل ذلك شباب العشيرة وزملاءها في الدراسة يعافون عن الزواج منها ليصفها البعض بالمسترجلة، والبعض لمقامها العالي كشيخة وشاعرة، وانتشرت قصائدها في أوساط المجتمع البدوي ورفعت شأن والدها وأسرتها، وعلى الرغم من فخر والدها وعشيرتها؛ فقد كانت مصدراً لتأفف وسخط إخوانها لتحجيمها دورهم كمشايخ للعشيرة وخروجها عن عادات وتقاليد العشائر البدوية.
أُصيب والد هرهرة بمرض عضال، ونصح الأطباء بسفره للخارج، وأصر والدها على مرافقتها له وابنه الأكبر “الشيخ مبخوت” للعلاج في العراق، واعتمد والدها عليها في التعامل مع أطباء مركز الأورام في صنعاء وبغداد، وكانت مصدراً لإعجاب الأطباء في اليمن وبغداد لقوة شخصيتها وجرأتها ومنطقها في الحديث بمدلولاته الأدبية, تلفت وتبهر المستمع وتفرض احترامه لمكانتها في عقله قبل قلبه، وفي أحد الأيام وأثناء تواجدها مع والدها وأخيها في صالة الانتظار في شقتهم المستأجرة وبالمصادفة لفت انتباهها في التلفزيون مسابقة شعرية زجلية هجائية تبث مباشرة من إحدى صالات فندق فلسطين؛ لتستوقفها وترفع صوت التلفزيون وتطلب من والدها وأخيها الإنصات والاستماع، وتفاعلت مع الحدث بجميع حواسها لتقف بين الوقت والآخر لا إرادياً وترد على الشعراء بشعرٍ ارتجالي، بينما والدها ينظر إليها وعيناه تدمعان ويتعاطف معها مبخوت ويسألها: «ماذا لو كانت الشاعرة حياة حاضرة الفعالية الشعرية؟»، ويسألها والدها: «هل بإمكانك المشاركة معهم؟»؛ لترد: «لقد أتينا من أجل والدي وتاج رأسي ليتعافى ويعود لنا بالسلامة، و قد شاركت أمامك وتكفي الدموع التي سكبت من أجلي»؛ لكن والدها كرر طلبه بالمشاركة واعتبرها جزءاً من المعالجة؛ لتسأل من خلال استعلامات الهاتف عن عنوان فندق فلسطين على أن تذهب في اليوم التالي وخلال المساء تابعت المهرجان الشعري وكونت فكرة لتكتب قصائدها المرتجلة.
يتبع