الخرطوم نادوس نيوز
الخرطوم : منال عبدالله
من التجارب التي احدثت جدلا واسعا منذ تنفيذها وإلى الآن ، وقد تمت أثناء الحرب العالمية الثانية بأسكان (36) شابا في الغرف التابعة لملعب جامعة مينوسوتا الأميركية في وقت سابق ، لم يكونوا ضمن فريق كرة قدم ، ولكنهم شكلوا فريق آخرغاية في الخصوصية ،حيث أخضع لواحدة من التجارب الشهيرة ، وهي مايعرف بتجربة (مينوسوتا) للتجويع1، والتي هدفت إلى اختبار تأثير الجوع على هؤلاء المتطوعين لمدة عام، كانت معظم وجباتهم من البطاطا والخضراوات الجذرية والخبز، إلى جانب أنه كان مطلوبا منهم أداء عدة نشاطات أسبوعية مرهقة، وأجريت التجربة لحصر الآثار النفسية والفسيولوجية للجوع وأثبتت أن أسوأ أختيار يمكن أن يتجه اليه الانسان هو الامتناع عن الأكل ، وهكذا الحال إذا كان الأمر إختيارا وليس إجباريا كما يحدث للكثير من الشرائح بالسودان حيث أصبح الامتناع عن تناول انواع من الأطعمة إن لم تكن جميعها إجباريا وراوحت(قفة الملاح) مكانها الذي كانت توضع فيه بالمنزل عند العودة من السوق منذ عقود ، واصبح أمر التخلي عنها قسريا ، مما أدى إلى حدوث آثار تتبعتها (الصيحة) من النواحي الجسدية والنفسية والاجتماعية على الفرد وعلى المجتمع بصورة عامة .
الطعام ليس عبثا
أهمية تناول الطعام والغذاء بالنسبة للجسم الانسان ليس امرا عبثياً ، اذ جعل الله سبحانه وتعالى الجسم بمثابة الوديعة لدى صاحبه، إذ أن الله تعالى لا يبقل أبداً أن يلحق أي شخصٍ الأذى بجسمه، سواء كان بإيذائه بالوسائل المختلفة أو بالامتناع عن تناول الغذاء، فالغذاء هو أساس حصول الجسم على الطاقة، والأهمية ليس مادية فقط بقدر ما أنها معنوية ، وتعطيه دافعاً ليقوم بدوره في الحياة وعندما يتناول غذاءه الذي أنعمه الله عليه فإنما يقوم بعبادة من نوعٍ آخر، فهو يأكل كي يستطيع العيش وممارسة العبادة ومختلف الأنشطة، ومن الأهمية الكبرى للغذاء أن الله تعالى جعل فيه الشفاء أيضاً، فتناوله يقوي مناعة الجسم فالشخص الذي يتلقى تغذية كاملة وسليمة يتميز بكونه قوي خالي من الأمراض، بعكس الشخص الذي يهمله ولا يتناول القدر الكافي منه، إذ على الأغلب يعاني من أمراضٍ جسدية عديدة، ومن الأشياء التي يمنحها الغذاء للجسم أيضاً أنه يخلصه من طاقته السلبية، فهو يعطي للإنسان شعوراً بالمتعة واللذة أثناء تناوله، مما ينعكس إيجاباً على حالته المزاجية ، وتجمع كافة التخصصات على أن الغذاء أساس حياة الجسد.
تداعيات سلبية
من ابرز تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تنتظم البلاد طالت النظام الغذائي بالتأثير المباشر على (قفة وحلة الملاح) وأصبح وأمسى التنوع في الأطعمة من ضروب المستحيلات لمعظم الأسر السودانية ، وتؤكد وجدان عوض ربة منزل على أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية الذي اصبح على مدار الساعة فرض عليها التخلي عن الكثير من أصناف الفواكه والخضروات وحتى الألبان، مبينة أن زوجها أوقف
شراء الحليب منذ (٤) أشهر بسبب ارتفاع سعرة المستمر ولكونه لا يتناسب مع دخله الشهري ، فيما أن لديهم أطفال في مراحل عمرية مختلفة عجزت هي وزوجها في توفير ما يحتاجون إليه من تنوع غذائي ، وقالت ل(الصيحة) أن الضائقة المعيشية أدت إلى أن يحال جميع الدخل إلى منصرفات لتناول الطعام فقط لكونه الأولوية للبقاء في الحياة ، وأشارت إلى أنها امتنعت عن الزيارات والمناسبات الاجتماعية عدا الوفيات التي في إطار الأسرة لكي لاتحدث خللا في المنصرفات وتتعرض أسرتها للجوع والمرض وسؤال الناس .
اشتعال الأسعار
فيما تطالب المنظمات العالمية الخاصة بالغذاء والمختصون في علم الاغذية بعدم التركيز على تناول صنف واحد من الطعام ، وضرورة أن يشتمل النظام الغذائي على العديد من أصناف كالخبز، والفواكة ، والخضروات، والأسماك، واللحوم، والماء، وغيرها من الأغذية الصحية الغنية بالعناصر الغذائية الضرورية للجسم ، والإكثار من الخضراوات، والفواكة، والحبوب ، تنظيم وجبات الطعام، بحيث يتم تقسيمها إلى 3 وجبات رئيسة، وفي حال الشعور بالجوع بين كل وجبة من الممكن التركيز على الخضروات والفواكه ، بينما يكشف واقع الحال في الأسواق بالخرطوم الولايات السودان المختلفة اشتعال أسعار الخضروات والفاكهة على مدار العام إذا تجاوز سعر كيلو الخيار وهو من الخضروات السريعة التناول وفوائدة الغذائية كبيرة ال(٢٥٠) جنية .
اوضحت الدراسات التي اجريت بنظام التجويع أصالة الخاضعين للتجارب بالهزال وانخفاض في قوتهم البدنية وقدرتهم على التحمل ودرجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب والرغبة الجنسية ، كما أنهم أصبحوا مهووسين بالطعام، أصبحوا يحلمون بالأكل ويتخيلونه ويتحدثون ويقرأون عنه وعن الاستمتاع به أصبح الأكل هو شغلهم الوحيد، ذكر المتطوعون أنهم يعانون من الإرهاق، والعصبية، والاكتئاب واللامبالاة.
ويتوافق اختصاصيي علم النفس والاجتماع على أن أسوأ انواع انعدام الأمان المرتبط بتوفر الغذاء ، لكون أن أي شخص وإن كان طفلا يعلم بالفطرة وبعيدا عن العلوم المختلفة أن انعدام الطعام يؤدي إلى الموت والأمر لا يحتاج إلى الشرح العلمي والطبي المستفيض ، وتوضح دراسات علمية أن الجوع الحاد لدى البالغين يؤدي إلى الوفاة خلال فترة تتراوح عادة بين 8 أسابيع و12 أسبوعا، وقد تختلف من شخص لآخر اعتمادا على طبيعة الجسم، وشدة المجاعة التي يواجهها ، كما أن المجاعة ليست مرتبطة فقط بالإنعدام التام للطعام ولكن الشح وعدم التنوع الغذائي يقود إلى الموت بصورة غير مباشرة حيث تصيب الامراض الاجساد ومن ثم الموت في النهاية .
وقد لاتكون الإجراءات التي تتبعها الحكومة الانتقالية حاليا بكافية العواقب الوخيمة للارتفاع المتسارع لأسعار السلع والمنتجات الغذائية وإيقاف الجوع والحد من صفوف الخبز التي تؤكد على انعدام الشعور بالأمان الغذائي وسعي السماسرة لتخزين الخبز، وعودة الاصناف التي خلت من (قفة الملاح) وكذلك المائدة وتخفيف معاناة المواطن السوداني أينما وجد لأن النعت يشمل تحت مظلته الجميع من هم في القصور والكهوف والمنازل والمشردين في الشوارع.