وكالات / نادوس نيوز
مخاوف من “ظاهرة خطيرة” بعدم قبول “التعددية” في مجلس النواب. أرشيفية – تعبيرية
صوت البرلمان الأردني في جلسة، الأربعاء، على فصل النائب محمد الفايز، بعد اتهامه بمخالفة “الأعراف البرلمانية والدبلوماسية” و”تشويه سمعة المملكة”، إضافة لتغيبه عن جلسات البرلمان.
وصوت 92 نائبا من أصل 110 نواب حضروا الجلسة على قرار اللجنة القانونية فصل النائب الفايز، بناء على قرار المكتب الدائم المتضمن إحالة النائب الفايز إلى اللجنة القانونية للنظر في ما نسب إليه من مخالفات، بحسب ما نشر المجلس على فيسبوك.
وكان النائب الفايز، قد وجه في شهر ديسمبر الماضي رسالة عبر السفارة السعودية في عمان إلى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يدعوه فيها لوقف تقديم المساعدات المالية إلى الأردن متهما من أسماهم بـ”رؤوس الفساد في البلاد” بسرقتها.
وقال الفايز في رسالته “لا نريد مساعدات ولا نريد هبات فبلدنا مليء بالخيرات، أردننا عزيز على قلوبنا تأبى كرامتنا أن يقال عنا شعب الشحاذين”، مضيفا “كل خيراتكم تصل لجيوب الفساد والفاسدين وهباتكم تذهب لدفع فواتير جميع الأردنيين منها براء”.
والسعودية، من ناحيتها، أعلنت، الأربعاء، تغير طريقة تقديمها مساعدات لحلفائها حول العالم، واشتراطها إجراء “إصلاحات” بدلا من “تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط”.
ورغم تأكيدات مجلس النواب الأردني بأن الجلسة “قانونية ودستورية”، يرى فيها نواب فيها تجاوزا على “القانون والدستور”، وبأنها “تؤسس لظاهرة خطيرة في مجلس النواب” بعدم قبول وجود “تعدد في الآراء تحت قبة البرلمان”.
محاكمة عادلة أم لا؟
يعتقد النائب صالح العرموطي أن “جلسة فصل النائب الفايز لا تتلاءم مع القانون ولا الدستور”، خاصة وأنها لم تعط الفرصة “للنائب لتبرير موقفه وآرائه وتصرفاته”.
وأوضح العرموطي في حديث لموقع “الحرة” أن “الجلسة لم تكن فيها أركان المحاكمة العادلة، وهي بإعطاء الزميل النائب الفايز الفرصة حق الدفاع عن نفسه، والذي يعتبر حقا دستوريا وقانونيا”.
واعتبر العرموطي أن استغلال مسألة “تغيب النائب عن حضور جلسات، واعتبارها جريمة، لو تم تطبيقها من قبل المكتب التنفيذي على جميع أعضاء مجلس النواب يعني هذا الأمر اتخاذ إجراءات بحق غالبية الأعضاء، والذين يتغيبون عن الحضور لعدة جلسات من دون أعذار”.
وقدم الفايز الذي ينتمي الى قبيلة بني صخر، إحدى أكبر القبائل في الأردن ويشغل كثير من أبنائها مناصب قيادية في الدولة، استقالته من مجلس النواب في 22 ديسبمر الماضي، مبررا ذلك بـ”عدم قدرة المجلس على تحقيق شيء”، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
ويوضح أستاذ القانون الدستوري، نوفان العجارمة، أن مجريات جلسة النواب التي فصل فيها النائب الفايز “تتسق وسياق القانون والدستور”، إذ إن “المشرع الدستوري أفرد عقوبة الفصل في مادة واحدة في الدستور الأردني (بعدم جواز فصل أحد من عضوية أي من مجلسي الأعيان والنواب إلا بقرار صادر من المجلس الذي هو منتسب إليه)”.
وأضاف العجارمة الذي ترأس ديوان الرأي والتشريع في المملكة، في تصريحات لموقع “الحرة”، أن الدستور لم “يحدد المخالفات المسلكية التي تستوجب فصل النائب، وتركها بيد مجلس النواب لتحديد المخالفات التأديبية التي تستوجب هذا الأمر، وتقدير الفعل ما إذا كان ينطوي على تجاوز أم لا”.
وتابع أن قانون الانتخاب لمجلس النواب حدد حالتين لفصل النائب “إذا تغيب عن جلسات المجلس أكثر من شهر خلال أية دورة عادية أو أكثر من ثلث المدة خلال أية دورة استثنائية، أو إذا التحق بدولة أجنبية أو ثبت إقرارا أو اعترافا بالإخلاص والطاعة لها أو قام بعمل قد يصبح بموجبه أحد رعايا تلك الدولة أو اشترك في ذلك العمل أو أيده”.
ويقول عضو كتلة الائتلاف الوطني البرلمانية، النائب جعفر الربابعة، إن “لجنة السلوك النيابية أرسلت عدة كتب رسمية تطالب النائب الفايز بالحضور للتحقيق معه، والرد على ما يرد في مجريات التحقيق، إلا أنه لا يرد لا خطيا ولا بالاتصال على هذه الكتب”.
وزاد الربابعة في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “مجلس النواب يتعامل بالقانون، ولهذا أسندت له 3 اتهامات، الأولى بإرساله رسالة تشوه العلاقة بين المملكة والسعودية، والثانية، تغيبه من دون عذر عن أعمال الدورة العادية والاستثنائية، والثالثة، الإساءة في تصريحاته لمجلس النواب”.
وحول سرية انعقاد الجلسة، كشف الربابعة، أن مجلس النواب “فضل بأن تبقى الجلسة سرية من أجل خصوصية النائب”.
وتحدث موقع “الحرة” مع رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب، غازي الذنيبات، ولكنه اعتذر عن التعليق “لأسباب خاصة”.
التحويل للقضاء
ويرى العرموطي وهو محام وكان نقيبا للمحامين لأربع دورات في المملكة، أن “بحث موضوع الرسالة التي وجهها النائب الفايز للسعودية، ليست من اختصاص مجلس النواب”، مشيرا إلى أن المجلس اعتبر النائب مخالفا لأحكام المادتين “132 و152 من قانون العقوبات الأردني، والتي تجرم كل أردني يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن تنال هيبة الدولة أو مكانتها.. أو إذا كان ما ذكره موجها ضد الملك أو ولي العهد أو أحد أوصياء العرش، أو النيل من مكانة الدولة المالية”.
وشرح أن “الاستناد لقانون العقوبات من صلاحيات القضاء، وليست من صلاحيات مجلس النواب ليستند لها في قراراته، وإذا أراد المجلس الاستناد لها عليه رفع حصانته وتحويله للقضاء ليخضع لمحاكمة عادلة، وليس الحكم بفصله من دون الاستماع له”.
من جانبه يقول الخبير الدستور العجارمة، إن “قرار مجلس النواب المتضمن فصل أحد أعضائه هو عمل برلماني خالص، لا يخضع لرقابة القضاء الإداري، لأن هذا القرار لا تتوافر فيه خصائص القرار الإداري أو شروطه؛ لأنه لم يصدر عن جهة إدارية تابعة للسلطة التنفيذية.. ولا يجوز للقضاء الرقابة عليه احتراما والتزاما بمبدأ الفصل بين السلطات”.
ويقول النائب الربابعة أن “ملف النائب الفايز انتهى من مجلس النواب ورفعت عنه الحصانة”، مشيرا إلى أن “ملاحقة القضاء للنائب السابق الفايز ترتبط فيما إذا أراد النائب العام ملاحقته إذا وجد أنه خالف قوانين المملكة”.
وقال الربابعة إن استقالة الفايز “تم تسليمها لأحد النواب الزملاء، لكنها لم تسلم رسميا لمكتب الأمانة العامة للمجلس، ولو سلمت لأصبحت نافذة ومقبولة في حينها”.
وبحسب الدستور الأردني، يملك مجلس النواب صلاحية البت في طلب استقالة النواب رفضا أو قبولا، فإذا رفضها تبقى عضوية النائب مستمرة لاستكمال مدة المجلس القانونية المحددة بأربع سنوات حتى لو لم يحضر أي جلسة من جلسات المجلس. وإذا قبلها بأكثرية أعضائه يتم ملء المقعد.
“ظاهرة خطيرة”
ويعتبر الفايز، ثاني نائب يفصل في المجلس التاسع عشر، إذ فصل المجلس في يونيو من 2021 النائب أسامة العجارمة على خلفية تصريحات وصفت أنها فيها “إساءات لمجلس النواب وأعضائه ونظامه الداخلي”، وتم محاكمته لاحقا بسبب تصريحات قيل إنها “مسيئة للملك والمجتمع الأردني”.
ووجهت المحكمة للعجارمة تهما أبرزها “التهديد الواقع على حياة جلالة الملك، واقتراف افعال بقصد إثارة عصيان مسلح ضد السلطات” وفقا للائحة الاتهام.
المحلل السياسي، الكاتب الأردني، عامر السبايلة قال إن قرارات مجلس النواب الأردني “غريبة بأن يكون دائما خيار الفصل من عضوية المجلس هو الخيار الأول دائما”.
وأضاف في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن “المجلس يحتاج لتطوير آلية للتعامل مع هذه الخلافات بالحفاظ على الحالة الديمقراطية، وحتى بما في ذلك الأصوات المختلفة تحت مظلة مجلس النواب”.
وحذر السبايلة أن ما يحصل “يؤسس لظاهرة خطيرة وغير صحية، بأن قبة البرلمان ليست مكانا للتعبير عن الرأي، أو الاختلاف بوجهات النظر والطروحات، وهو ما سيفقد مجلس النواب تعددية الآراء والتوجهات التي يجب أن يحملها”.
ووفق تقرير “فريدوم هاوس 2022” تعتبر المملكة من بين الدول التي فيها “حرية جزئية”. وأشار التقرير إلى استمرار مقاضاة الصحفيين والنشطاء ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تتم ملاحقتهم بموجب عدة قوانين.
من جانبه اعتبر النائب العرموطي أن قرار فصل النائب الفايز فيه نيل من “حرية الرأي والتعبير التي يكفلها الدستور والقوانين”.
وتقول هيومن رايتس ووتش في أحدث تقاريرها إن ممارسات السلطات الأردنية “ترقى إلى مستوى حملة ممنهجة لقمع المعارضة السلمية وإسكات الأصوات المنتقدة”.
ويشير التقرير إلى أن السلطات الأردنية “تستخدم أحكاما جنائية غامضة وفضفاضة، منها قانون العقوبات لسنة 1960، وقانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، وقانون منع الإرهاب لسنة 2006، وقانون منع الجرائم لسنة 1954 لقمع حرية التعبير والتجمع”.