سطور ملونة
الطرف الثالث مسلمون فقط يا طلب !!
أسفت كثيرا أن خاض زميلنا الأستاذ محمد طلب في موضوع الطرف الثالث في الحرب بين طائفتين من المؤمنين بدون دراية وبفهم خاطيء لٱيات القرٱن الكريم . ولم أشأ أن أقول أنه حاول لي الٱيات بغير مؤداها الصحيح لغرض في نفسه لانني أفترض فيه حسن النية مع الجهل .
ولنبدأ بالثوابت في فهم القرٱن وأولها أنه عربي مبين يجب وجوبا أن يفهم وفق دلالة ألفاظ اللغة العربية على المعاني .
ثانيها أن الدقة القياسية المتناهية في الفاظ وصيغة وسياق القرٱن الكريم تمنع تماما وتسد الباب أمام الخطأ في فهم معانيه أو حملها على غير المراد . فهو كلام الله الذي لا يعتريه خلل .
وأن الٱيات يجب أن تفهم في سياقها الصحيح فلا يجتزأ منها ما يخل بالمعني كأن تقول (ويل للمصلين) خارج سياقها أو (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما نفع) وتسكت مجتزئا ذلك من النص .
يقول الأستاذ طلب مانصه
(اذا اتفقنا ان الاشارة في الاية الكريمة اشارة الي( طرف ثالث) فيبقي السؤال من هو ذلك الطرف الثالث؟؟
الطرف المخاطب في الاية ربما يكون جماعة المسلمين او غيرهم او حتي الامم المتحدة او البند السابع لا ادري و اعلم جيدا ان مثل هذا الحديث يجلب المشقة وربما اضافوا لها (نون) هذا فبلادنا صارت كلها قتل ومشانق…. و لكن الهدوء والتروي والابتعاد عن اي انتماء و(بعقل حر) سوف يقودنا للمقصود ومرمي الايات) انتهى حديثه
هذا الحديث خطأ جملة وتفصيلا ومعارض تماما للٱيات التي استشهد بها لأن هذه الٱيات حددت الطرف الثالث بدقة كاملة لا لبس فيها ولا مجال لتخريجات فاسدة .
بدأ التوجيه الرباني من الٱية السادسة من سورة الحجرات بقوله عز من قائل :
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوٓا۟ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوٓا۟ أَن تُصِيبُوا۟ قَوْمًۢا بِجَهَٰلَةٍ فَتُصْبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَ) . والخطاب هنا للذين ٱمنوا فقط . فقط للذين ٱمنوا وليس للبشرجميعا الذين يخاطبهم المولى بيا أيها الناس او يا بني ٱدم .
ثم تلتها الٱية السابعة تقول :
وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِّنَ ٱلْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُ ۥ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ
ولم يتغير المخاطبون فهم الذين ٱمنوا .ثم الٱية الثامنة التي تقول :
فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم
وهي ملحقة بما قبلها .
ويستمر الخطاب موجها للذين ٱمنوا بقوله تعالى:
وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُوا۟ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنۢ بَغَتْ إِحْدَىٰهُمَا عَلَى ٱلْأُخْرَىٰ فَقَٰتِلُوا۟ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىٓءَ إِلَىٰٓ أَمْرِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوٓا۟ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
ولم يتغير توجيه الخطاب بل أنه حدد قواعد الصلح بعد أن تفيء الفئة الباغية وهو العدل والقسط وهي لاتكون الا وفق قواعد الاسلام . بل إنه نهي سبحانه وتعالى عن الإحتكام إلى غير الاسلام والمسلمين وأن أحكم فيهم بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم وهو درجة أبعد لا يسع المجال للخوض فيها .
أما الٱية الفيصل التي تحدد الطرف الثالث بوضوح فهي الٱية التاسعة التي تقول :
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
فحدد أن الإخوة هم المؤمنون وقال أصلحوا بين أخويكم ولم يدخل غيرهم في هذا الأمر برمته .
والحكمة من أن يقاتل المسلمون الفئة الباغية هو أن قتالهم لا يكون بغرض التشفي أو التنكيل إنما يكون لرد الباغي عن بغيه وبحرص على دماء الفئة الباغية نفسها وليس هناك (أجندات) أخري . أما إذا سمحنا بأن يكون الطرف الثالث غير المسلمين فإن قتالهم لن يراعي قواعدالاسلام في الحرب عامة وقتال الفئة الباغية خاصة . وقد حذر الله منهم بقوله تعالى في سورة التوبة :
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا۟ عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا۟ فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَٰهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَٰسِقُونَ .
وقال تعالى :
لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة .
فهم سينكلون بالجميع تنفيذا لأجنداتهم .
لكن لا أرى الأستاذ محمد طلب قد حدد من هي الفئة الباغية ومن هو الطرف الثاني وقفز إلى الطرف الثالث بدون مقدمات أو تبرير . ولن نحرجه بطلب تحديد ذلك فرأيه معروف من السياق .
لكن كما يقول أهلنا دا كله كوم وما يجري في السودان كوم ٱخر لان توصيف الطرفين بشكل علمي يقول :
أن هناك جيش رسمي للسودان يمثل سيادته الوطنية وهناك فصيل ملحق بالجيش إلحاقا خرج على إمرة الجيش فليس هناك طائفة أولى وطائفة ثانية ولا محل لإعمال هذه الٱيات الكريمة في حالة حربنا الحالية .
لم يسع المجال لتفصيل هذا الموضوع المهم على ضوء التفسير الصحيح للقرٱن الكريم ولكنها مجرد أضواء من تفاسير .
التحية للزميل الأستاذ محمد طلب ولا أرى أن حديثه يكفر أو يدعو لنصب المشانق إنما هو فهم خاطيء لنص قرٱني لسنا أكثر حرصا منه على اتباع الحق والعودة إليه دون مكابرة .
محمد أحمد مبروك